- الصحيفة: جريدة الحياة
- رابط المقالة
شدني عنوان مقالة الأخ الكريم الكاتب الأستاذ عبدالعزيز السويد في صحيفة «الحياة» لعدد يوم الإثنين 24 شباط (فبراير) 2014 بعنوان: «الأنسنة على الورق»، ربما لأن موضوع الأنسنة كان مثار انشغال لأعوام عدة في أمانة منطقة الرياض، إذ بدأت الفكرة كما تبدأ الكثير من الآمال والطموحات بخطوات محدودة، لكنها واثقة وجادة حتى نضجت التجربة، وأصبحت جزءاً معاشاً من ثقافة ونمط حياة سكان مدينة الرياض.
مقالة الأستاذ عبدالعزيز السويد بدأت بموضوع الأنسنة من خلال مجالات العمل البلدي، ثم تطرق إلى موضوع مختلف ركَّز فيه على التعامل الإنساني في الأجهزة الحكومية وفتح الأبواب، وذلك موضوع يستحق البحث ربما في شكل مختلف، إلا أن ما دعاني إلى التفكير في الرد هو أن المقالة جعلت من الأنسنة أنسنة على الورق أو أمراً عارضاً يهطل في «المنتديات والمؤتمرات»، وجعل الأنسنة التي يتحدث عنها بتفصيل أكثر في المقالة بديلاً عن أنسنة المدينة، مع ما في ذلك من اختلاف مع ما بدا أنه يهدف إليه.
«الأنسنة» مفردة لم تكن معروفة أو متداولة في المجتمع عموماً، وفي مجال العمل البلدي خصوصاً. ولعلي أزعم أن الرياض هي التي سبقت، كبادرتها إلى كثير من السبق الإيجابي، في القناعة بتلك المفردة وتحويلها تدريجياً إلى واقع من خلال مشاريع مختلفة، لمس الناس آثارها وإن لم يضعوها تحت عنوان الأنسنة، وذلك ليس مطلوباً، فالهدف من الأنسنة أن تكون واقعاً معاشاً لا تنظيراً. واستطاعت مدينة الرياض أن تطوره من دون أن تمس مما يعرفه الناس من الواجبات التقليدية لأمانات المناطق.
بالطبع لا يعني مصطلح الأنسنة أن مدننا ليست إنسانية، ولكن الواقع أننا في غمرة انشغالنا بالتنمية الشاملة والسريعة فقدنا من دون أن ندرك بعضاً مما تتطلبه المدينة من اعتبارات لإنسانها، فالأنسنة هي تعزيز للبعد الإنساني في المدن بتوفير مرافق وفعاليات تجعل الحياة فيها أكثر جاذبية ورعاية وإنسانية. لا شك في أن بعضاً مما أصبح يتم في أمانة منطقة الرياض تحت برنامج الأنسنة كان يتم ضمن بعض واجبات العمل البلدي، إلا أن الأمانة استطاعت أن تخلق للأنسنة نمطاً مؤسسياً واضح الرؤية وفق خطة زمنية معددة وبرامج متنوعة. وقد أسهمت برامج تعزيز البعد الإنساني التي انتهجْناها وبدأتْها الأمانة كمبادرات في إضافة جوانب إيجابية إلى العمل البلدي، وزادت من وشائج الصِّلة وامتنان سكان المدينة للقائمين على إدارة مدينتهم، إذ لامست البرامج والمشاريع البعد الإنساني لمعظم سكان المدينة وأفكارهم، ومنها ارتفع مؤشر الرضا ومستوى التفاعل.
تطور العمل في جانب تعزيز البعد الإنساني وتطور معه الرضا وازدياد الطلب، إذ أصبح الرفع مما يستحقه ساكن المدينة من بيئة إنسانية المقومات الهدف الأسمى. وهكذا أصبحت الأمانة تطور برنامجاً متكاملاً لممرات المشاة في أنحاء مختلفة من المدينة، وتقوم بإنشاء وإدارة ساحات بلدية أضافت الكثير من الحيوية الآمنة والترويح المتقن للأحياء، كما أصبحت الأمانة معنية بالجانب الثقافي لتقدم إصدارات تتجاوز الدعائية إلى العناية بتاريخ المدينة وتراثها، وتعطي المجال للمسرح أن يخطو أوسع خطواته تحت مظلتها، وللمرة الأولى يصبح عيد الرياض عيدين يتألقان في مرح وحبور وبمستوى تجاوز الشعبية إلى الأناقة. وللمرة الأولى يشتد انتشار الحدائق المحلية والكبرى لتكون الرياض الرياض. وللمرة الأولى يتم التعامل مع معاناة واهتمامات ساكن المدينة، فيجد مؤشراً للأسعار وسوقاً تعطي الفرصة للمزارعين لعرض منتجاتهم مباشرة والمسمى بيوم المزارع. وللمرة الأولى تبهج المهرجانات وتتعدد. وللمرة الأولى يتم التعامل حضارياً «وإنسانياً» مع الباعة الجائلين ويتم تخصيص مواقع منظمة ومناسبة بدلاً من ملاحقتهم. وبالمثل بدأ التعامل مع نساء البسطات بتخصيص مواقع مجانية لهن في الأسواق العامة كان أولها ما يتم تنفيذه في أسواق العروبة. وللمرة الأولى يتم إلزام المطورين العقاريين بتخصيص مواقع للمساجد والجوامع على جميع الطرق التجارية في مخططاتهم. وللمرة الأولى يجد المواطن فيها مركزاً «تقنياً» للتواصل المباشر معه عن طريق الرقم 940. وللمرة الأولى تجد المواطنات أكثر من 18 فرعاً لمكاتب بلدية نسائية مخصصة لخدمتهن تعمل فيها أكثر من 600 امرأة سعودية. وللمرة الأولى يتم التنفيذ لـ15 من مكتبات الأحياء بمفهوم جديد يشجع على التعليم بالترفيه، انتهى بعضها وينتظر الافتتاح والبعض الآخر تحت الإنشاء. وللمرة الأولى يتم إنشاء مركز لذوي الاحتياجات الخاصة يتمكن من خلاله ذوو الاحتياجات الخاصة من ممارسة هواياتهم وأنشطتهم بل ويشاركون أفراد المجتمع لبعض أنشطتهم في الساحة البلدية المجاورة. وللمرة الأولى يتم البدء في إنشاء 15 من المراكز الإدارية كل منها في حدود بلدية فرعية لتضم فروعاً لجميع الإدارات الخدمية في المدينة.
وقائمة «للمرة الأولى» في برامج ومشاريع الأنسنة في مدينة الرياض تطول ولا يتسع المجال لذكرها فضلاً عن شرحها، إلا أنها تثبت ومن دون شك أن الأنسنة وبرامج تعزيز البعد الإنساني هي جوهر العمل البلدي وهي الطريق المباشر والسريع لقلوب الناس وعقولهم، والمهمة مستمرة وخريطة الطريق واضحة وفريق العمل متكامل ومتحمس.
كانت التجربة شاقة، ولكن نتائجها كانت تستحق. وأصبحت «الأنسنة» مفردة يطالب بها سكان مدن المملكة أماناتها، واضعين ما أصبحت الرياض تقدمه نموذجاً يرجعون إليه في تحديد الحد الأدنى الذي يأملون. وكلمة حق هنا، هي أن ذلك التوجه لتعزيز البعد الإنساني للمدينة كان معزَّزاً بدعم كبير وأساسي من الأمير سلمان بن عبدالعزيز، أمير منطقة الرياض آنذاك، الذي امتزج اسمه بتاريخها وأمكنتها، والذي قدَّم كل ما يمكن من توجيه ودعم. وأثق أن ذلك التوجه سيستمر برعاية وزير الشؤون البلدية والقروية وأمير منطقة الرياض ونائبه اللذين أكدا أنهما يسيران على خطى وتوجهات الأمير سلمان حفظه الله.
«الأنسنة» التي عدَّها الأستاذ عبدالعزيز السويد تمر مرور السحاب، لم تكن يوماً كذلك في رياض سلمان التي لا تقبل أن تكون الأنسنة على الورق!